أطفال وفتيات.. ضحايا تصفية حسابات بين الأزواج والزوجات
دعاء بهاء الدين، ريم سليمان- سبق- جدة: تعد "ولاية الرجل على المرأة" من القضايا التي كثر الحديث حولها خاصة بعد وقوع حوادث فردية من إساءات للزوجات أو وقوع عنف على بعض النساء، واختلف العديد من الفقهاء والحقوقيين حول تفسير هذه الأحداث، ولكن هناك اتفاق على أن المرأة إنسان كامل الأهلية, وأن الولاية من الأمور الشرعية التي لا جدال فيها، لقوله تعالى: {الرِّجَال قَوَّامونَ عَلَى النِّسَاءِ}، وطالبوا بمعالجة الحوادث الفردية التي تقع من عنف وضرب وربما حرق، وما تزخر به وسائل الإعلام من شكاوى لمعنَّفات حيث تقع نساء ضحايا لتصرفات غير مشروعة.
ولعل قصة الطفلة ريماس التي نشرتها "
سبق" مؤخراً، والتي نادى فيها خال الطفلة بضرورة وجود أحكام بديلة، خاصة إذا كان الأب بعيداً عن ابنته، حيث هزت دموع الطفلة أرجاء قسم الشرطة الذي كان مخوَّلاً بتسليمها إلى أبيها بعد عشر سنوات من الغياب، ومشاهد عنف الأب مع ابنته، جعلت الشرطة تدعوه لتأجيل تنفيذ الحكم، لحين يأتي ببعض النساء لإقناع الطفلة بالذهاب معه، فهل سنتعلم من قضية ريماس أم ستكرر مع آلاف الأطفال؟!
قلبي ينزف دماً في البداية تحدَّثت إحدى الأمهات لـ"
سبق" قائلة: طلِّقت من زوجي منذ ثلاث سنوات، وأصبحت ابنتي الوحيدة وزهرة عمري تحت ولاية أبيها، معبرة عن حزنها لفراق ابنتها، وقالت: حزنت لفارق ابنتي، وشعرت بالوحدة في بعدها عني، ولفتت النظر إلى أنه بعد فترة لاحظت آثار عنف على جسد ابنتها الهزيل، وكدمات وإصابات بليغة، وعلمت أن أباها وزوجته مارسا ضدَّ ابنتها الضرب والكيَّ بالنار، وأثبت هذا في التقارير الطبية.
وبنبرة يأس تابعت حديثها: بالرغم من صحة التقارير الطبية التي تثبت آثار العنف على ابنتي، بيد أن الحكم قضى بعودة ابنتي إلى حضانة والدها، وأوضحت أنها رفضت بشدة التنفيذ، قائلة: لم أتخيَّل أن يأخذوا ابنتي من حضني مرة أخرى، فقد تجرَّعت مرارة رفضي ودخلت السجن لساعات، معربة عن حزنها لتنازلها عن حضانة ابنتها، وقالت: لقد مرَّت عليَّ ساعات السجن كأنها دهر، واضطررت للتنازل وقلبي ينزف دماً؛ حفاظاً على كرامتي كي لا تهدر بعد جلوسي في السجن مع سجينات الدعارة.
فقدت معنى الحياة وبصوت ممزوج بالبكاء تحدثت "أم روان" لـ "
سبق": طلبت الطلاق من زوجي؛ لأنه أذاقني مرارة صنوف العذاب، وصدر حكم بحضانة ابنتها رغم أن عمرها سنة ونصف، وقالت: لم يغمض لي جفن منذ فارقتني ابنتي، ودموعي صديقتي، أذهب إلى غرفتها وأشمّ ملابسها وأحتضن ألعابها، كأني أشعر بدفئها ورقتها.
وبدموعها تابعت حديثها: لم أصدِّق حتى الآن أن ابنتي ماتت، فهي زهرة حياتي ونوري في الحياة، ولم تتمالك نفسها وانخرطت باكية: حبيتي توفيت والقاتل والدها، وبكل ألم استعرضت حادثة وفاة ابنتها قائلة: لقد تجرَّد أبوها من مشاعره وضربها بعصا خشبية على رأسها، ثم أطاح بها على جانب السرير، وتوقفت عن الحديث برهة، ثم بكل حزن تابعت حديثها: مع الأسف ماتت ابنتي وفقدت معها طعم الحياة.
الرعب يسكنني وبصوت خائف تحدثت معنا إحدى الفتيات قائلة: أبي مدمن مخدرات، وطلق أمي منذ سنوات، ومع الأسف الشديد أعيش معه وزوجته، مبدية أسفها لتحرّش أبيها بها، وقالت: أثناء نومي في غرفتي سكنني الرعب عندما دخل والدي وحاول أن يمسك جسدي، وقاومته هذه المرة، بيد أني في مرات أخرى لم أستطع.
وبصوت ممزوج بالبكاء قالت: حاولت أمي أن تثبت اعتداء أبي عليَّ، لكن باءت محاولاتها بالفشل، وظللت مع أبي، وخوفي يسبقني، ودموعي تسكنني أينما وجدت، ولا أدري ما تحمله لنا الأيام القادمة.
امتهان للأمومة بداية قالت عضو لجنة حقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين إن الولاية تعني رعاية شؤون القاصر وتدبير أموره حتى يبلغ سن الرشد، موضحة رؤية الشرع لسقوط الولاية عن المرأة البالغة، الرشيدة، القادرة على حماية نفسها، وأضافت أن ولاية الرجل على المرأة لا تستمر طيلة عمرها، بل مرتبطة بعمر زمني قبل سن الرشد، وتساءلت في استنكار: لماذا تعامل المرأة على أنها قاصر في بعض الأمور، وتعاقب شرعاً إذا ارتكبت المحرمات؟ أليس هذا اعترافاً شرعياً بأن المرأة كاملة الأهلية.
وأوضحت أن قوامة الرجل على المرأة تعني رعايته لها وتدبير أمورها، دون استبداد أو استعباد، محددة شروط القوامة في أهلية الرجل، فلا يكون مدمناً أو مريضاً نفسياً أو معاقاً، وكذلك إنفاقه على المرأة، رافضة بشدة ولاية الابن على أمه، قائلة: ليس من المعقول بعد أن تتولى الأم رعاية ابنها وتربيته أن تخضع لولايته، فهذا امتهان للأمومة.
وأبدت سهيلة زين العابدين أسفها لاستغلال بعض الرجال لمفهومي الولاية والقوامة، ومعاملتهم للمرأة على أنها مملوكة أو عبدة لديهم، لافتة النظر إلى أن ما يرتكبه هؤلاء من عنف جسدي ونفسي تجاه المرأة، وقالت: بعض الآباء يسيء استخدام الولاية على ابنته، فيحرمها من التعليم أو الزواج، كما يستغل بعض الأزواج قوامته على زوجته، فيحرمها من العمل أو السفر، أو يضربها بذريعة تأديبها، وأكدت في ختام حديثها أن حماية الرجل للمرأة واجب شرعي، وليس تفضلاً منه عليها.
تناقضات غير منطقية من جانبها، أفادت أستاذة تاريخ المرأة في جامعة الملك سعود الدكتورة هتون أجواد الفاسي، أن قضية الولاية على المرأة لها أكثر من زاوية، ورأت أن الولاية تعد من القضايا الشائكة، كما أن الوضع الحالي القائم على أساليب ومفاهيم الولاية مرتبطة باجتهادات ليس إلا، ورأت أن القصَّر هم من تندرج عليهم الولاية ذكراً كان أو أنثى، ولا يجب أن نطلق كلمة الولاية على المرأة، حيث أن ولاية الأب على البنت أو الولد القاصر بما يحميهم ويوفر لهم الحياة السليمة.
تعسّف في استعمال الحق وأفاد الفقيه والمفكر الإسلامي دكتور عبد الله فدعق أن العلماء حددوا ثلاثة شروط لولاية الأب وهي: العقل والعدالة والرشاد، مطالباً بنزع الولاية عن الأب الذي انتفت عنه أي صفة من هذه الصفات، وأشار لموقف بعض العلماء القدامى الذين رفضوا نزع ولاية الأب حتى ولو كان فاسقاً، معتبرين النزع من عقوق الآباء، وعللوا ذلك بأن الوالد أرحم بالابن من غيره.
وتابع "فدعق": لقد تبدَّل الواقع اليوم عن الأمس، وطفت على السطح الاجتماعي حالات عنف من آباء تجاه بناتهم تهز كيان المجتمع، لافتاً النظر إلى أنه إذا ثبت أن استمرار ولاية الأب تضر بالفتاة، فمن اللازم أن تنزع منه.
تصفية حسابات واعتبر عنف الآباء تجاه بناتهم تصفية حسابات، ونتاج خلافات أسرية، محذراً من خطورة هذا عليهن، وشدد على ضرورة معرفة الفتاة بحقوقها التي تؤهلها لمعرفة متى تشتكي أباها للقاضي؛ في حال اعتدى عليها، أو أساء معاملتها، أو أهدر إنسانيتها.
ونفى المفكر الإسلامي صفة العقوق عن الفتاة التي تشتكي والدها، مسترشداً بحديث للرسول -صلى الله عليه وسلم- عن السيدة عائشة، قالت: "جَاءَتْ فَتَاةٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ، لِيَرْفَعَ خَسِيسَتَه، فَجَعَلَ رَسول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَمْرَ إِلَيْهَا، قَالَتْ: فَإِنِّي أَجَزْت مَا صَنَعَ أَبِي، أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاء أَنْ لَيْسَ إلى الآبَاءِ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ"، واعتبر هذا الحديث دليلاً على ضرورة معرفة الفتاة لحقوقها، وأن ولاية الأب وإن كانت حقاً له، بيد أن التعسّف في استعمال الحق مرفوض.
واسع ومطاط بدوره، أفاد المحامي والمستشار القانوني عمر الخولي أنه إذا ثبت للقاضي أن الولي غير كفء أو أهل للولاية يتم نقل الولاية، والقاضي وحده هو من يحدد حسب رؤيته ومعتقداته، وهنا تكمن الخطورة حيث لكل قاضٍ معتقداته والبيئة التي نشأ فيها.
ونادى بضرورة وضع نصوص تحدد سلطة القضاء ولا تترك مفتوحة حسب الأهواء، معرباً عن أسفه من عدم وجود نسب وإحصاءات تشير إلى عدد المعنفات اللاتي يطلبن رفع الولاية إلا أنهن كثيرات، وقال: هناك الكثير من الحقوق تحرم منها المرأة بسبب حكم قضائي، وكم من فتيات رفضت قضاياهن بنزع الولاية بسبب تعنّت القضاء.
الولاية والقوامة فيما أكد الفقيه الدكتور سعود الفنيسان أن الولاية تنتقل من الأب للزوج عند زواج المرأة، وإن كانت غير متزوجة تنتقل من الأب ثم الأبناء ثم الأعمام، وإن كان الزوج غير صالح تنتقل للابن إذا بلغ سن الرشد (18 عاماً).
وأفاد بأن الآية الكريمة: {الرِّجَال قَوَّامونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّه بِهِ بَعْضَهمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقوا}، دلت على ولاية الرجل على المرأة، ورداً على سؤال عن القوامة حيث جاء في الآية القوامة وليس الولاية وما الفرق بينهما، أجاب: الولاية أخصّ من القوامة، والولاية مشتقة من القوامة، كما أن النفقة جزء من الولاية.
وأكد أن الولي له حق في منع المرأة من التبرّج وعدم الاختلاط أو السفر وحدها، بيد أن أمور البيع والشراء والتملك والتصرف في الممتلكات ليس من حقه التدخل فيها، مفيداً أن القاضي إذا اقتنع بمبررات خلع الولاية إذا طعن على الولي فتنتقل على الفور.
جنس الرجل أفضل وقال: هذا هو حكم الله تعالى؛ فالمرأة ليست كالرجل، وسهل أن تخدع فهي تتمتع بعاطفة جياشة وشرع الولي لحمايتها، إلا أن الشرع لم يحدد ولاية شخص بعينه، وإنما جعل للرجل الولاية، ولذا تم ترتيبه تبعاً للإرث.
وأضاف أن المدنيين دائماً ما ينظرون للأمور بزاوية القوانين الوضعية، أما نحن فننظر حسب الشريعة والسنة، ولذا المقارنة غير صحيحة، فجنس الرجل أفضل من جنس المرأة في أشياء عدة؛ منها القوة والقدرة على التحمّل، وهذه سنَّة الله في خلقه ولا يجوز الاعتراض عليها.
الرئيسية 
موضوع: أطفال وفتيات.. ضحايا تصفية حسابات بين الأزواج والزوجات 
الأحد أغسطس 11, 2013 9:46 pm
