السلام عليكم ورحمة الله
هذا جزء من رواية ( الضياع ) وهي اول اصدار روائي لي .. اتمنى أن تقضوا معه وقت ممتع ، وأن أحظى منكم بمشاركة فعالة ، مع الشكر الجزيل لكل متفضل بالدخول إلى عالمي الروائي .
أختكم الروائية
مريم الحسن
دخلت كلثم غرفتها صباح يوم الأربعاء ، بعد مغادرة وحيد وعمه من منزلهم ، وقد حضرا اليوم لعقد القران قبل حفل الزفاف بيوم واحد فقط ، وكم كانت سعيدة بهذا الشعور كمسؤولة عن رجل متزوجة ككل النساء ، لطالما حلمت بهذا اليوم السعيد وهاهو يتحقق أخيراً وعلى رغبتها كما أرادت ، ثم رمت بثقلها على سريرها وهى تفكر محدثة نفسها : ــ
ـــ آه يا قلبي الذي يختلج بين ضلوعي .. أخيراً تم عقد قراني على رجل أصبح مسؤولة عنه ، ومنه .. ستتحقق طموحاتي.
ثم ابتسمت في جذل مستطردة : ــ
ـــ ترى بأي شكل سأعيش حياتي الجديدة ..؟ .. مؤكد أفضل بكثير من حياتي الحالية .. لن يتحكم بي أحد ، سأصبح حرة مسؤول عني رجل هو لي ، أنا أملكه بكل حواسه ، وكيانه ، ومشاعره ، همه الوحيد تنفيذ رغباتي أنا وطلب رضاي ، والعمل على سعادتي وراحتي .. آه متى .. متى تأتي هذه الأيام السعيدة .. إنها تتباطأ وكأنها تخشى الاقتراب مني ، لطالما مضت الأيام سريعاً ونحن في سباق مع الزمن ، نلهث معها وهي تعدو بأقصى سرعتها ..
دقائقها ثواني ، وساعاتها دقائق ، وأيامها سويعات قله لا نكاد نشعر بها إلا وقد مضت فما بال هذا الشهر الغريب الأطوار..؟ هل هو في عناد معي .. يتحداني .. ! لا يكاد يمضي وأنا في عجلة من أمري .. أريد أن أفارق هذا السجن الأبدي نحو الحرية والحياة الدنيا ، إني ألوذ بك أيتها الحياة ، فلا تفري عني وتتركيني أعاصر عنصرية أخي ، ورجعية أهل قريتي وتمسكهم بعرف وتقاليد قديمة .. الكل هنا يشعر بالضجر ولم يعد أحد يتكهن بشيء ، أما أنا فقد نجوت وسألوذ بالفرار نحو السعادة التي أنشدها .
ثم ابتسمت ابتسامة عريضة وتنهدت في ارتياح هامسة : ــ
ـــ لقد تأملته اليوم عن قرب ونحن في عقد القران ، كم هو شديد الوسامة كما تمنيت .. لقد كان مطرقاً طول فترة ترديدنا لصيغة العقد .. كم هو خجول وحيي .. رباه ..
ثم ضمت كفيها إلى صدرها بنشوة واعتدلت هاتفة في لهفة:
ـــ كيف سأقابله غداً ..؟ رباه .. سأذوب خجلاً وقتها ..
برقت عيناها بغتة وهي تتذكر شيئاً : ــ
ـــ هل نسيت ماذا فعلت منال حينا استقبال عريسها يا كلثم ..؟ حاولي أن تتصرفي بأفضل منها .. هل رأيت كيف كانت جريئة بمد كفيها إليه عند استقباله .. نعم كانت حركة جريئة منها .. فماذا ستفعلين أنت .. كنت تخططين لهذا اليوم وهاهو قد أتى .
بقيت شاردة الذهن والابتسامة على شفتيها ، حتى دخلت عليها ميقات وقبلتها في سعادة هاتفة : ــ
ـــ ألف مبارك يا شقيقتي بعقد قرانك .
ضحكت في فرح وبادلتها القبلات قائلة : ــ
ـــ الفال لك يا أخييتي الغالية .
ثم استطردت في لهفة وانفعال : ــ
ـــ إني أرتجف ..لا أكاد أصدق أن حفلة زفافي غداً .. غداً يا ميقات .. غداً .. هل تصدقين ..؟
ابتسمت ميقاتا وهي تشاركها فرحتها وتمنت لها السعادة ثم بادرتها قائلة : ــ
ـــ هل فكرت الآن على أي أساس ستكون حياتكما معاً ..؟
نظرت إليها والغبطة تغمرها ، ثم دارت حول نفسها وهتفت في مرح : ــ
ـــ على الحب .. التفاهم .. الود .. كل شئ .. أي شئ تتوقعينه يسبب السعادة ، سأقدمه له على طبق من فضه.
أطرقت مبتسمة في هدوء وتمتمت : ــ
ـــ حسناً .. وعليك أن تكوني حذرة حتى لا تخسريه .
تطلعت إليها قاطبة وقالت : ــ
ـــ ماذا تقصدين ..؟
استدركت ميقات على الفور : ــ
ـــ حاولي التمتع بالجمال الروحي .. وابتعدي عن مغريات الدنيا ، فإنها لن تنفعك ، وتصديك لها سيجعلك في راحة بال وسعادة حقيقية دائمة .
وضعت كفيها على خصرها وهي تحدق بها قائلة : ــ
ـــ هذا ما كان ينقصني .. نصائحك يا ميقات ..
ثم اقتربت منها بتأني وقالت لها بصوت منخفض لا يخلو من رنة السخرية : ــ
ـــ أرى أنك .. بدأت تحذين حذوها .. وتغيرت نبرة حديثك معي ، حتى طريقة ارتدائك للملابس باتت مثلها .
تطلعت ميقاتا في صمت فأردفت كلثم : ــ
ـــ انتبهي إلى نفسك عزيزتي ، ولا تتركي وجدان تسيطر عليك بأفكارها الغابرة تلك ، فلم يعد في هذا الزمن من يتقيد بشيء .
تمتمت متسائلة في خفوت وتردد : ــ
ـــ وما بها وجدان ..أليست صديقتك المفضلة ..؟
تلعثمت قبل أن تقول : ــ
ـــ نعم .. صديقتي المفضلة لأنها قريبتي .. وأشعر بصدق مشاعرها نحوي .. حبها الصادق لي يجذبني نحوها ويجعلني أحبها بصدق أيضاً ، وليس تلك الترهات التي تتحاكى بها كل حين .
قاطعها دخول فواطم عليهما وهي تلقي التبريكات عليها وتضمها في سعادة ، فابتسمت لها وتمنت لها فالاً أفضل بإذن الله .
* * *