منتديات لمسة مرامي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات لمسة مرامي

 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
لمسة إحساس
admin

admin
لمسة إحساس


تاريخ التسجيل : 30/05/2012
عدد المساهمات : 13782
نقاط التقييم : 28317
الجنس : انثى
الجنسية : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء 24J19881
الهواية : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء LGf07137
المزاج : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء 53K62940
عبارتي المفضلة : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء FsG64809
مكان الاقامة : جــــــــــــدة
العمل : في القطاع الخاص ..
الأوسمة : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء Mmf89660

طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء Empty
مُساهمةموضوع: طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء   طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء I_icon_minitimeالجمعة فبراير 22, 2013 4:26 am

طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدَّمة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. [آل عمران 02]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب 70-71 ]
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة
يقول الحق تبارك وتعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} [ العصر 1-3 ] ويقول تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [ الذاريات 55 ] وإن من أعظم ما ينبغي التواصي به والتذكير فيه، فيما بين طلبة العلم هو تلك المسؤولية التي تحملناها على كواهلنا ونصبنا أنفسنا لها ألا وهي مسؤولية العلم الشرعي الذي شرفنا الله بحمله وسيسألنا عن أدائه
ومن هنا أحببت أن أذكر نفسي وإخواني بعظم مسؤوليتنا وواجبنا تجاه هذا العلم الذي ننتسب إليه، من خلال هذا البحث الذي يحتوي على الإشارة إلى بعض المضامين التي احتواها قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة 122] فقوله تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} إرشاد إلى أمانة التحمل؛ فمن واجب طالب العلم أن يتفقه في دين الله قبل أن يتصدر لتعليمه وإبلاغه لسائر الناس، وأما قوله: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ففيه إشارة إلى مسؤولية الأداء التي يتحملها طالب العلم بعد تزوده بالعلم النافع المفيد .
قال ابن القيم: "ندب - تعالى - المؤمنين إلى التفقه في الدين وهو تعلمه، وإنذار قومهم إذا رجعوا إليهم" (1)
ولا شك أن طالب العلم الذي من لم تكن هذه الآية نصب عينيه، فإنه يخشى عليه الهلاك، ولبيان عظم هذا التوجيه الكريم من الله - تعالى - وما فيه من المعاني والفوائد، كتبت هذا البحث اللطيف وجعلت عنوانه "طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية "الأداء فأقول وبالله التوفيق ومنه أستمد العون والتسديد، ملخصاً كلامي في ثلاثة مباحث رئيسة وخاتمة: المبحث الأول: شرف العلم وفضل أهله، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم
المطلب الثاني: الأدلة من السنة
المطلب الثالث: أقوال بعض العلماء
المبحث الثاني: السبيل إلى تحمل العلم الشرعي، وفيه أربعة مطالب المطلب الأول: حاجة طالب العلم إلى الذكاء والزكاء.
المطلب الثاني: مراتب نيل العلم
المطلب الثالث: آداب طالب العلم
المطلب الرابع: موانع حمل العلم
المبحث الثالث: مسؤولية أداء العلم وفيه مطلبان: المطلب الأول: مسؤولية أدائه عملاً
المطلب الثاني: مسؤولية أدائه تعليماً

الخاتمة
وقد حرصت عند جمع مادة هذا البحث على الاستشهاد بكلام الله - تعالى - وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والآثار الواردة عن السلف الصالح، مع الإيجاز وعدم الإطالة
فأرجو من الله أن يتحقق النفع بما جمعت، وأن يحصل به الخير والفائدة
والله الموفق

المطلب الأوّل: الأدلّة من القرآن الكريم

إن على طالب العلم أن يتذكر نعمة الله عليه بأن هداه للإسلام أولاً، وجعله من حملته والدعاة إليه ثانياً، فتلك نعمة منَّ الله بها على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من قبلنا فقد قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء 113] نعم والله إن فضل الله علينا عظيم
ولو تأملت قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر 9 ] وتأملت نفسك قبل أن تطلب العلم وبعد أن منَّ الله عليك بطلب العلم هل الحال مستو، فالجواب "لا" ولو تأملت نفسك وأقرانك الذين في سنك ممن لم يطلبوا العلم هل تستوون فالجواب "لا" ولو تأملت نفسك وعوام الناس لوجدت الفارق العظيم، فهذه واحدة
وأما الثانية ففي قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [الحجرات 11] إن هذه الرفعة التي وعد الله بها أهل الإيمان والعلم، منها ما هو في الحياة الدنيا ومنها ما هو في الآخرة، فطالب العلم له بين الناس منزلةٌ ومكانة واحترام وتقدير ولا يتسع الوقت لضرب الأمثلة على تلك الرفعة وهو أمرٌ ملموسٌ مشاهد
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى : "إن العلم يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة ما لا يرفعه المُلْك ولا المال ولا غيرهما، فالعلم يزيد الشريف شرفاً ويرفع العبد المملوك حتى يجلسه مجالس الملوك كما ثبت في الصحيح من حديث الزهري عن أبي الطفيل أن نافع بن عبد الحارث أتى عمر بن الخطاب بعسفان، وكان عمر استعمله على أهل مكة، فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي قال: استخلفت عليهم ابن أبزى، فقال من ابن أبزى؟ فقال: رجل من موالينا، فقال عمر: استخلفت عليهم مولى. فقال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين" (2). وقال أبو العالية: "كنت آتي ابن عباس وهو على سريره وحوله قريش فيأخذ بيدي فيجلسني معه على السرير فتغامز بي قريش، ففطن لهم ابن عباس، فقال: كذا هذا العلم يزيد الشريف شرفاً ويجلس المملوك على الأسرة" (3)
وأما الثالثة فإن أهل العلم وطلبته هم أهل الخشية كما شهد الله بذلك في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [ فاطر 28 ]
وأما الرابعة ففي قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [ آل عمران 18 ]
قال ابن القيم: " استشهد - سبحانه - بأولي العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيده، فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ} وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه: أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر
والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته
والثالث: اقترانها بشهادة الملائكة
والرابع: أن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم، فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول
والخامس: أنه وصفهم بكونهم أولي العلم وهذا يدل على اختصاصهم به وأنهم أهله وأصحابه ليس بمستعار لهم
والسادس: أنه - سبحانه - استشهد بنفسه وهو أجل شاهد ثم بخيار خلقه وهم الملائكة والعلماء من عباده ويكفيهم بهذا فضلاً وشرفاً" (4)
وأما الخامسة: ففي قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}
قال ابن القيم: "وكفى بهذا شرفاً للعلم أن أمر نبيه أن يسأله المزيد منه" (5).

المطلب الثّاني: الأدلّة من السّنّة

1- أهل العلم هم ورثة الأنبياء كما قال صلى الله عليه وسلم: " العلماء ورثة الأنبياء " (6) فالله - سبحانه - جعل العلماء وكلاءَ وأمناءَ على دينه ووحيه وارتضاهم لحفظه والقيام به والذبِّ عنه، وناهيك بها منزلة شريفة ومنقبة عظيمة
قال ابن القيم: "قوله: "إن العلماء ورثة الأنبياء" هذا من أعظم المناقب لأهل العلم فإن الأنبياء خير خلق الله، فورثتهم خير الخلق بعدهم، ولما كان كل موروث ينتقل ميراثه إلى ورثته إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده، ولم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم في تبليغ ما أرسلوا به إلا العلماء كانوا أحق الناس بميراثهم، وفي هذا تنبيه على أنهم أقرب الناس إليهم فإن الميراث إنما يكون لأقرب الناس إلى الموروث، وهذا كما أنه ثابت في ميراث الدينار والدرهم فكذلك هو في ميراث النبوة والله يختص برحمته من يشاء" (7)
2- ثم إن طلب العلم مصدر الخير والسعادة في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (Cool وقال صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم لرضى الله عنه، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافٍ" (9)
قال بدر الدين بن جماعة: "اعلم أنه لا رتبة فوق رتبة من تشتغل الملائكة وغيرهم بالاستغفار والدعاء له، وتضع له أجنحتها، وإنه لينافس في دعاء الرجل الصالح أو من يظن صلاحه فكيف بدعاء الملائكة، وقد اختلف في معنى وضع أجنحتها، فقيل: التواضع له، وقيل: النزول عنده والحضور معه، وقيل: التوقير والتعظيم له" (10)
3- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" (11)
قال ابن القيم: "فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا ينبغي لأحد أن يحسد أحداً يعني: حسد غبطة، ويتمنى مثل حاله من غير أن يتمنى زوال نعمة الله عنه إلا في واحدة من هاتين الخصلتين، وهي الإحسان إلى الناس بعلمه أو ماله، وما عدا هذين فلا ينبغي غبطته ولا تمني مثل حاله لقلة منفعة الناس به" (12)
4- وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: "حلق الذكر" (13)
5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتقع به أو ولد صالح يدعو له" (14)
قال ابن القيم رحمه الله: "وهذا من أعظم الأدلة على شرف العلم وفضله وعظم ثمرته، وإن ثوابه يصل إلى الرجل بعد موته ما دام ينتفع به، فكأنه حي لم ينقطع علمه، مع ما له من حياة الذكر والثناء، فجريان أجره عليه إذا انقطع عن الناس ثواب أعمالهم حياة ثانية" (15).

المطلب الثّالث: أقول بعض العلماء

1- هذا الصحابي الجليل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - يقول في فضل العلم: "تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يحسنه صدقة، وبذله لأهله قربة، به يُعرف الله ويُعبد، وبه يُوحد، وبه يُعرف الحلال من الحرام، وتوصل الأرحام، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والقريب عند الغرباء، ومنار سبيل الجنة، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة وسادة يقتدى بهم، أدلة في الخير تقتص آثارهم، وترمق أفعالهم، وترغب الملائكة في خُلتهم وبأجنحتها تمسحهم، ويستغفر لهم كل رطب ويابس، حتى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه والسماء ونجومها، والعلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة للأبدان من الضعف يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلى، التفكر فيه يُعدل بالصيام ومدارسته بالقيام، وهو إمام للعمل والعمل تابعه يُلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء (16)
هذا الأثر معروف عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - الذي هو أعلم الناس بالحلال والحرام
2- وعن علي - رضي الله عنه - قال: "الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رَعَاعٌ أتباع كُل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق
العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال
العلم يزكو على الإنفاق، والمال تنقصه النفقة
العلم حاكم والمال محكوم عليه
ومحبة العلم دين يدان بها
العلم يكسب العالم طاعة في حياته، وجميل الأُحْدُوثَة بعد وفاته.
وقال ابن القيم: "رواه الخطيب وأبو نعيم وغيرهما عن معاذ بن جبل ورواه أبو نعيم في المعجم من حديث معاذ مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يثبت وحسبه أن يصل إلى معاذ" انتهى. انظر: مفتاح دار السعادة 1/120.

وصنيعة المال تزول بزواله، مات خُزَّانُ المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة" (17)
قال ابن القيم: "وقوله: "إن الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع" هذا تقسيم خاص للناس وهو الواقع، فإن العبد إما أن يكون قد حصَّل كماله من العلم والعمل أو لا. فالأول العالم الرباني،والثاني إما أن تكون نفسه متحركة في طلب ذلك الكمال ساعية في إدراكه أو لا والثاني هو المتعلم على سبيل النجاة، والثالث وهو الهمج الرعاع
فالأول هو الواصل، والثاني هو الطالب، والثالث هو المحروم المُعْرِض فلا عالم ولا متعلم بل همج رعاع، والهمج من الناس حمقاؤهم وجهلتهم، وأصله من الهمج جمع همجة وهو ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والدواب وأعينها (18)، فشبه همج الناس به والرعاع من الناس الحمقى الذين لا يعتد بهم. وقوله أتباع كل ناعق أي من صاح بهم ودعاهم تبعوه سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال، فإنهم لا علم لهم بالذي يُدْعَوْنَ إليه أحق هو أم باطل" (19)
3- وعن علي - رضي الله عنه - قال : "كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذماً أن يتبرأ منه من هو فيه" (20)
4- وكان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول إذا رأى الشباب يطلبون العلم : "مرحباً بينابيع الحكمة ومصابيح الظُّلَم جدد القلوب حلس البيوت ريحان كل قبيلة" (21)
5- وقال وهب بن منبه: "يتشعب من العلم الشرف وإن كان صاحبه دنياً، والعز وإن كان مهيناً، والقرب وإن كان قصياً، والغنى وإن كان فقيراً، والمهابة وإن كان وضيعاً" (22).
6- وقال سفيان بن عيينة: "أرفع الناس عند الله منـزلة من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء"
7- وقال أيضاً: "لم يعط أحد في الدنيا شيئاً أفضل من النبوة، وما بعد النبوة شيء أفضل من العلم والفقه" فقيل: عمن هذا؟ قال: "عن الفقهاء كلهم" (23)
8- وعن سفيان الثوري والشافعي قالا: "ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم" (24)
9- وقال بدر الدين بن جماعة: "إن الاشتغال بالعلم لله أفضل من نوافل العبادات البدنية من صلاة وصيام وتسبيح ودعاء ونحو ذلك، لأن نفع العلم يعم صاحبه والناس، والنوافل البدنية مقصورة على صاحبها، ولأن العلم مصحح لغيره من العبادات فهي تفتقر إليه وتتوقف عليه ولا يتوقف هو عليها، ولأن العلماء ورثة الأنبياء - عليهم الصلاة والتسليم - وليس ذلك للمتعبدين، ولأن طاعة العالم واجبة على غيره فيه، ولأن العلم يبقى أثره بعد موت صاحبه، وغيره من النوافل تنقطع بموت صاحبها، ولأن في بقاء العلم إحياء الشريعة وحفظ معالم الملة" (25)
10- وقال ابن القيم: "السعادة الحقيقية هي سعادة العلم النًّافِعِ ثَمَرَتُهُ، فإنها هي الباقية على تقلب الأحوال، والمصاحبة للعبد في جميع أسفاره وفي دوره الثلاثة - أعني: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار، وبها يرتقي معارج الفضل ودرجات الكمال
وإنما رغب أكثر الخلق عن اكتساب هذه السعادة وتحصيلها وعورة طريقها ومرارة مباديها وتعب تحصيلها، وأنها لا تنال إلا عن جد من التعب، فإنها لا تحصل إلا بالجد المحض"(5).


المطلب الأوّل: حاجة طالب العلم إلى الذّكاء والزّكاء

لو نظرت في أصناف طلبة العلم لوجدتهم لا يخرجون عن أحد أصناف ثلاثة: صنف أوتي ذكاء وفهماً، مع زكاء نفس وحسن سريرة، فحَمَلَهُ ذكاؤه على الجد في طلب العلم والسعي في تحصيله، وحَمَلَهُ زَكَاءُ نفسه وطُهْرُها على العمل بهذا العلم وتطبيقه
وصنف ثاني: أوتي ذكاء ولم يؤت زكاء، فحمله ذكاؤه على حفظ العلم وتحصيله، ومنعه زكاؤه من العمل به وتطبيقه وهذا علمه حجّة عليه لا حجّة له يوم القيامة
وصنف ثالث: حرم الأمرين معاً، فليس عنده ذكاءٌ يحصل به العلم وليس عنده زكاءٌ يطبق به العلم
وهذه الأصناف الثلاثة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إن مثل ما بعثني الله به - عز وجل - من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله منها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله به فعَلِمَ وعلّمَ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" (26)
وفي هذا الحديث شبّه النبي صلى الله عليه وسلم العلم الذي جاء به بالغيث لأن كُلاًّ من العلم والغيث سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان والعلم سبب حياة القلوب، وشبه القلوب بالأودية وكما أن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث:
إحداها: أرض زكية قابلة للشراب والنبات، فإذا أصابها الغيث ارتوت ومنه يثمر النبت من كل زوج بهيج
فذلك مثل القلب الزكي الذكي، فهو يقبل العلم بذكائه فيثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بزكائه، فهو قابل للعلم مثمر لموجبه وفقهه وأسرار معادنه
والثانية: أرض صلبة قابلة لثبوت ما فيها وحفظه، فهذه تنفع الناس لورودها والسقي منها والازدراع
وهو مثل القلب الحافظ للعلم الذي يحفظه كما سمعه، فهو يحفظه للحفظ المجرد فهو يؤدي كما سمع وهو من القسم الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه غير فقيه" (27)
والأرض الثالثة: أرض قاع وهو المستوي الذي لا يقبل النبات ولا يمسك ماء، فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع منه شيئاً، فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم والفقه والدراية، وإنما هو بمنـزلة الأرض البور التي لا تنبت ولا تحفظ
فالصنف الأول من الناس: عالم معلم، وداع إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرسل وهذا الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "من فقه في دين الله ونفعه الله به فعلم وعلم"
والصنف الثاني: من أوتي الذكاء وحرم الزكاء فهو بذكائه حفظ ونقله لغيره
والصنف الثالث: لا هذا ولا هذا، فهو قد حُرِمَ الذكاء والزكاء، فهو لذلك لم يقبل هدى الله، ولم يرفع به رأساً
فاسْتَوْعَبَ الحديثُ أصناف الناس في مواقفهم من العلم الشرعي؛ فيعلم من الحديث السابق أن طالب العلم لابد له من أمرين متلازمين لأجل تحصيل العلم وهما الذكاء والزكاء
فلابد له من زكاء نفس وصلاح سريرة واستقامة دين من أجل أن يحمله ذلك على: 1- إخلاص القصد وإصلاح النية في طلب العلم
2- كبح جماح الشهوة والغفلة المانعتين من طلب العلم.
3- دفع الشبهات التي تصد عن طلب الحق
4- القيام بحق هذا العلم تعلّماً وعملاً وتعليماً
ولابد له من ذكاء يعينه على تحصيل العلم والجد في طلبه وعندما سأل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما دغفل بن حنظلة فقال: "يا دغفل من أين حفظت هذا؟" قال: "حفظت هذا بقلب عقول ولسان سؤول" (28)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mrame.forumarabia.com
صبر جميل
مشرف المنتدى الإسلامي
مشرف المنتدى الإسلامي
صبر جميل


تاريخ التسجيل : 26/07/2012
عدد المساهمات : 1895
نقاط التقييم : 2041
الجنس : ذكر
الجنسية : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء GVk20138
الهواية : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء QJb07176
المزاج : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء 53K62940
عبارتي المفضلة : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء Uaf64666
مكان الاقامة : الاردن
العمل : ادع الى سبيل ربك بالحكمة
الأوسمة : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء DAk82490

طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء Empty
مُساهمةموضوع: رد: طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء   طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء I_icon_minitimeالجمعة فبراير 22, 2013 9:53 pm

راقت لي كلماتك من أول عنقود لآخره
دمت في حمى الرحمن
تقبل وافر أحتراماتي

اخوكم انور ابو البصل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المتميزة
عضو فك القرطاسة

عضو فك القرطاسة
المتميزة


تاريخ التسجيل : 14/11/2012
عدد المساهمات : 98
نقاط التقييم : 98
الجنس : انثى
الجنسية : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء IEK20386
المزاج : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء 1kQ62730
عبارتي المفضلة : طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء 1d364692

طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء Empty
مُساهمةموضوع: رد: طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء   طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء I_icon_minitimeالجمعة مارس 08, 2013 3:18 pm

السلآم عليكم ورحمة الله وبركآته

الشكر لمجهوداتك الجبارة
نحو المنتدى وعلى هذا الموضوع الرائع


حـيـاك (ي) الله
وجـزاك(ي) الله عـنـا كـل خـيـر عـلـى مـا أتـحـفـتـنـا بـه


مـن هـذه الـدرر
الـطـيـبـة الـمبـاركـة جـعـل الله مـا خـطـطـتـه يـداك(ي) فـي سجـلِ حـسـنـاتـك
يـا رب


اسـتـمـر(ي) أكـثـر
حـتـى نـسـتـفـيـد مـنـك(ي) أكـثـر اللـهـم لا تـعِـقـنـا عـن الـعـلـم


بـعـائـق ولا
تـمـنـعـنـا مـنـه بـمـانـع


تقبل(ي) منـي أرق التحــايا
وأعطرهــا وفقك لله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أمانة العاصمة المقدسة تراقب ٣٥ ألف محل في رمضان
» علي بن أبي طالب رضي الله عنه
» قصه اغبى طالب في العالم
» يقال انها "" أشعار علي ابن ابي طالب رضي الله عنه ""
» وفاة طالب أثناء حصة الرياضة في الخبر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات لمسة مرامي :: المنتديات العامة و الاسلامية :: منتدى الطلاب و الطالبات-
انتقل الى: