جهاد المناكحة للشيخ محمد العريفي
لم يكن الداعية السعودي محمد العريفي المحسوب على التيار السلفي المعتدل في الخليج، و أحد منظري "الجهاد السوري" ضد قوات بشار الأسد، ليتخيل يوما أن يجد نفسه في موضع الرد على اهتامات له بنشر الفاحشة و الفساد تحت غطاء الدين، و هو الذي قضى نحوا من عقدين من عمره في دعوة الشباب و مخالطتهم و الاقتراب منهم، و الدعوة إلى التحلي بأخلاف العفة و الحياء، خاصة فيما يتاتقي الله ببعض المظاهر الاجتماعية التي كدَّرت على كثير من الأسر المسلمة صفو عيشها بسبب إبن أو ابنة جنح عن جادة الصواب، بسبب مؤثرات عوامل التغريب التي انفلت بسببها غيرُما واحد، تقليدا للغرب و طلبا للحداثة في مفهومها المستورد.
فبعد اتهامات بالجملة للشيخ عدنان عرعرو أحد أكبر مؤيدي و منظري القتال ضد بشار، و التي رماه إعلام بشار بالبواقع الفواقع على مدى فترة الاقتتال السوري، جاء دور العريفي ليستقيَ من إشاعات و فرى قنوات "البعث" السوري و محالفاتها الشيعية في لبنان و إيران، و التي تولت وزر تعميم فتوى مكذوبة عليه، مفادها، استحباب مغادرة الشابات المسلمات إلى أرض "الجهاد" في سوريا، من أجل مساندة مقاتلي الجيش الحر هناك، عن طريق تلبية رغباتهم الجنسية بما ادعت تلك القنوات أنه "جهاد نكاح" أو "جهاد منكاحة" يفتي به شيوخ "الطريقة الوهابية" على حد زعمهم.
إحدى التغريدات المنسوبة للعريفي
انطلقت إشاعة الفتوى المزيفة من صورة لما قيل أنها إحدى تغريدات العريفي على حسابه على تويتر، و التي يدعو من خلالها كل "مسلمة محتشمة بالغة 14 عاما فما فوق" أو مطلقة أو أرملة" إلى عقد "زواج المناكحة" مع "المجاهدين في سورية" و الذي تحده "ساعات" من أجل "إفساح المجال للمجاهدين بزواج آخر، يشد من عزيمتهم" هذا النكاح الذي هو من "موجبات داتقي الله الجنة لمن تجاهد به". تغريدة كشف بعض متخصصي الفوتوشوب حينها زيفها بسبب نوعية الخط الذي كتبت به غير المدعم من موقع تويتر، إضافة إلى ركاكة الأسلوب الذي كُتب به هذا " الهذيان" كما وصفه أحد الدعاة، إضافة إلى تجاوز التغريدة الزائفة تلك عدد الأحرف المسموح به في تويتر !
بعد أن شاعت التغريدة، و صدَّقها من صدَّقها و كذَّبها من كذَّبها؛ جاء الدور على المرحلة الثانية من المخطط الإعلامي الموالي للنظام السوري، بنقل القضية إلى وسائل الإعلام الأجنبية أولا، دفعا للشبهة، خشية الكشف عن مصدرها و مروِّجها، ليعود الإعلام الشيعي و النصيري لإعادة تقديم الخبر بطريقته كأي خبر عادٍ، بحيادية مصطنعة و مجرد استعراض لردود أفعال المجتمعات الإسلامية من هذه الفتوى، التي لم تعن لكثيرين شيئا قبل أن تجعلها قناة العالم و المنار و الجديد التابعة لبشار مادتها الدسمة و محور تغطياتها التلفزية في أوقات الذروة.
نشرة "الجديد" اللبنانية حول فتوى العريفي
قناة الجديد اللبنانية لمالكها الداعم لحزب الله و الأجندة السورية بلبنان (تحسين خياط)، كانت أولى القنوات التي نشرت التغريدة، مخصصة لها تعليقات و متابعة هامة، (الجديد) لم تقف عند حد الجزم بنسبة الفتوى للعريفي، بل تعدَّت ذلك إلى حد الحديث عن استقبال مقاتلي الجيش الحر لها و تعميمها في أوساطهم و ترحيبهم بها، و تناقلها بين كثيرات من بنات بعض الدول المغاربية، ممثلة بتونس التي لبت نداء فتوى العريفي فيها فتاة تدعى "رحمة" و التي انتقلت إلى سورية للمارسة الجهاد موضوع التغريدة.
العريفي لم يتوانى في تكذيب ما نسب إليه، فبد ايام قليلة عن حملة القناة اللبنانية ضده، اتقي الله العريفي في إحدى تغريداته على حسابه الرسمي الوحيد في تويتر قائلا:" ما بثته قناة الجديد التابعة لبشار، وأتوقع أن تبثه قنوات الرافضة، حول تغريدة مركبة على اسمي(فوتوشوب)، حول زواج المناكحة للمجاهدين بسوريا، كذبٌ"
رغم البيان، و رغم العديد من لقاءاته بمحبيه ضمن برامجه الدعوية و لقاءاته التلفزيونية التي استنكر فيها ما نسب إليه، استمرت مؤيدو النظام السوري في تلفيق المزيد من التغريدات التي تدور مواضيعها حول أحداث سورية، و بعض القضايا الدينية، مستعينين بوضع حسابات مزيفة باسم العريفي، مستفيدين من الأخطاء الساذجة التي واكبت المرحلة الأولى. إلا أن العريفي عاد من جديد ليحذر محبيه من التعامل مع أي حساب باسمه عدا حسابه الرسمي الوحيد الذي يُحيل إليه موقعه الإلكتروني، و الذي يقارب عدد متابعيه حوالي الأربعة ملايين و نصف المليون شخص، كعلامة واضحة على حقيقة حسابه بدل حسابات حديثة لا تتجاوز بضع مئات أو آلاف من المتابعين، و تقدر بأكثر من مئة حساب.
قناة العالم الإيرانية من جهتها دخلت على خط اللعبة مبكرا، فبدل الحديث عن حالة فتاة واحدة اسمها "رحمة" نقلت القناة الخبر بالحديث عن فتيات تونسيات كثيرات ّ سافرن إلى سوريا من أجل إشباع رغبات جنسية لرجال يقاتلون في سوريا، مستعينة بمقطع فيديو لنداء أبوي "رحمة" المفجوعين من غياب ابنتهما مدة 3 أيام، و الذي يظهر الأب في حالة بكاء هستيري بسبب ما بلغه من استجابة ابنته لفتوى "المناكحة المزعومة".
الموقع الإخباري التونسي "صدى" نفسه الذي تولى تسجيل و بث نداء أبوي "رحمة"، عاد بعد أيام قليلة إلى إعادة بث تسجيل جديد لعودة "رحمة" إلى بيتها يوم 27/02/2013، مفنذة بذلك القصاصات و التحليلات الإخبارية المغرضة التي لا زالت بعض المواقع المشبوهة إلى حد الساعة تتفنن في بثها، رغم قضاء "رحمة" لأكثر من شهر بين أحضان أمها , أبيها اللذين استاءا كثيرا من الإشاعات التي لازمت اختفاء ابنتهما ذات الـ 16 ربيعا، و التي نددت بدورها بمن حاولا تشويه سمعتها و سمعة بلدها تونس.
مقتطف من قصاصة إخبارية لموقع "صدى" التونسي
لقاء "صدى" مع أسرة رحمة عطية