لقد امتلأت وسائل الاعلام المتخصصة خلال العام المنصرم بأخبار غريبة عجيبة عن حياة عمال مصانع “فوكسكون” في الصين وهي المصانع التي يتم فيها تركيب اجهزة ابل سواء الايفون او الايباد او غيرها من الاجهزة.
مصانع “فوكسكون”
وتحدثت وسائل الاعلام عن ظروف العمل القاسية جدا التي يعاني منها العمال وكيف تستغل الشركة هؤلاء العمال ساعات طوال وبرواتب متدنية، لدرجة ان العام الماضي شهد العديد من حالات الانتحار وسط العمال في مصانع الشركة.
على ضوء ما يتردد عما يدور في داخل مصانع “فوكسكون” ومساكن العمال التابعة للمصانع، قرر احد الصحافيين الصينيين فحص الامر عن كثب، فانتدبته صحيفته “شانهاي ايفنينيج بوست” ليطلع على وضع العمال وينقل الصورة الحقيقية عبر صفحات الصحيفة.
واتبع الصحافي المذكور السرية في نقل المعلومات لأن المسؤولين في مصانع “فوكسكون” كانوا كلما وصل مندوب وسيلة اعلام ليتفقد الامر، يفلحون في تجنب الحرج من خلال ترتيب الوضع بحيث يبدو عاديا ويزجون بعمال مختارين ليتحدثوا الى الصحفي فيشوهون الحقيقة ثم يبقى الوضع على ما هو عليه.
ولهذا قرر هذا الصحفي اللجوء الى طريقة أخرى، فتقدم للعمل كأي شاب يبحث عن عمل في مصانع الشركة، وبعد كشف طبي عادي على صحته تم قبوله للعمل في المصانع المذكورة. وقبل ان يبدأ عمله في المصانع تم اسكانه في مساكن العمال الجماعية وعندها بدأت تتكشف امامه الحقيقة قبل ان يبدأ اليوم الاول من عمله.
فقد وصف الصحفي ظروف السكن بالكابوس، فهي غرف كبيرة جدا يجتمع فيها عشرات العمال يعيشون معا وينامون معا وتمتزج بداخلها روائح كريهة من العرق وفضلات الطعام في اركان الحجرة الضخمة وسط صراصير تملأ المكان طوال الوقت. إضافة الى ذلك فالنوافذ مغلقة بسياج حديدي كي لا يستطيع من تسول له نفسه الانتحار بالقفز عبر النافذة على غرار ما كان يحدث العام الماضي.
كان على الصحافي المتنكر قبل مباشرة عمله التوقيع على تعهد بالحفاظ على السرية يتضمن الحظر الكامل على تسريب أي معلومة عن المنتجات سواء معلومات عادية او تقنية او تتعلق بالمبيعات او الاحصاءات خاصة بالإنتاج او أي معلومة خاصة بمصانع “فوكسكون”. وكان على الصحافي ان يوقع على عدم اعتراضه على ما قد يتعرض له من تلوث بسبب العمل بما في ذلك ما قد يكون “تلوثا ساما”.
أكثر ما أكد عليه المسؤول المباشر عن العمل امام هذا الصحافي المتنكر وأمام بقية العمال الجدد هو ان عليهم الانضباط والانصياع بقوله: “قد لا تشعرون احيانا بالراحة من معاملتنا لكم ولكن كونوا واثقين من ان هذا لمصلحتكم اولا وأخيرا”.
ونتيجة للعمل المتواصل في ساعات المساء، شعر الصحافي المتنكر بالصداع فأضطر الى التوجه الى العيادة الوحيدة في المصانع. في هذه العيادة كان طبيب واحد مكلف بخدمة آلاف العمال. وتمكن الصحافي أيضاً من فحص بقية المرافق المعدة للراحة وللترفيه وبقية الخدمات في المصانع فوجدها جميعا مهملة حتى النهاية.
يحظر على العمال في مصانع “فوكسكون” التحدث بصوت عال اثناء العمل. المكان الوحيد الذي يمكنهم الصراخ وتفريغ شحنات التوتر هو الملعب المحاذي للمصانع. احد العمال قال للصحافي: “هنا هو المكان الوحيد الذي يمكننا الصياح بصوت مرتفع، حتى الصراخ لأننا جميعا مشحونين بالتوتر الشديد وهنا نفرغ هذا التوتر بالصراخ على اهوائنا”.
ارسل الصحافي المتنكر للعمل في خط انتاج الواجهة الخلفية لجهاز الايفون. وهناك قيل له ولبقية العمال ان عليهم ان يشعروا بالفخر لأنهم يشاركون في صنع هذا جهاز الايفون. وقال الصحافي ان المسؤول المباشر عنه في العمل وبخه عدة مرات بدعوى انه بطيء في العمل ومهمل بعض الشيء. وبعد ساعات طوال من العمل المتواصل بدأ الصحافي يشعر بآلام في العنق والعضلات بينما عليه الحرص من ارتكاب أي خطأ.
في السابعة صباحا وبعد عمل على مدار ساعات الليل، بلغ العمال موعد استراحتهم، ولكن المسؤول عنهم حاول ثنيهم عن راحتهم بمحاولة اقناعهم بالعمل ساعتين إضافيتين مقابل 4 دولارات للساعة، بدلا من يتوجهوا لقضاء قسط من الراحة.