ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ان لا إلـــــــه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبـده ورسـولـــهاما بعد :خطبة استوصوا بالنساء خيراً
يحيى بن موسى الزهراني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين ، لا يبلغ مدحته المادحون ، ولا ينال من عظمته القادحون ،
ولا يحصي نعماءه العادّون ، ولا يحصر آلاءه الحاسبون ، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، له تائبون ، وبه مستعينون ، وله عائدون ، وبه
عائذون ، عليه يتوكل المتوكلون ، هو المستعان ، ومنه الفرج ، برحمته يتعلق
المذنبون ، وبرأفته يأمل العاصون ، ولجنته يتطلع المتقون ، فلا حول ولا قوة
إلا بالله ، نعم المولى ونعم النصير ، وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن
نبينا محمدًا عبد الله ورسوله ، الهادي البشير ، والسراج المنير ، صلى الله
عليه وعلى آله وصحبه وكل تابعٍ مستنير ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المرجع
والمصير . . أما بعد :
فإنَّ خير ما وصّى به الموصون ، ووعظ به الواعِظون ، تقوى الله عز وجل ، فاتقوا الله رحمكم الله ،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ
مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ } ، في هذه الخطبة ، ندخل في مفاوز ومغاور ، لنعاون
ونشاور ، نسبر آلاماً عظاماً ، ونتحرى أدواءً جساماً ، نتبين الأعراض ،
ونحدد الأمراض ، ونصف العلاج ، ليحصل الفرج والانبلاج ، فبسم الله نبتدي ،
وبنوره نهتدي ، وبحمده ننتهي .
أيها
الأخوة في الله : لقد أتى على المرأة حين من الدهر ، لم تكن شيئاً مذكوراً
، لم تقم لها قائمة ، فكانت تائهة عائمة ، مسلوبة الإرادة ، محطمة العواطف
، مهضومة الحقوق ، مغلوبة في أمرها ، متدنية في مكانتها ، مُتَصَرَّفاً
بشؤونها ، بل كانت تعد من سقط المتاع والأثاث ، ومن جملة الميراث ، ثم
انتهى بها الأمر ، إلى وأدها في مهدها ، وقتلها في صغرها ،
قال تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ
مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا
بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ
أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } ، وبعد تلكم الويلات ، وإثر تلكم
النقمات ، التي كانت تحيط بالمرأة ، جاء الإسلام وأشرق نوره ، وظهر وبان
أمره ، فأعلن مكانة المرأة ، ورفع قدرها ، وأعظم شأنها ، فأخذت كامل حقوقها
، ومن أعظم ذلك الصداق ، فالمهر ملك لها وحدها ، تقديراً لها ، ورمزاً
لتكريمها ، ووسيلة لإسعادها ، وثمناً لاستمتاع الزوج بها ، فالمَهر حقٌّ
للمرأة لا يجوز للآباء أو الأوليَاء اختصاصُهم به ، أو الاستيلاء عليه ، أو
الاستئثار به ،
قال سبحانه : { وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } ، ومن
أخذ من مهر الفتاة ولو شيئاً يسيراً ، بغير إذنها أو رضاها ، فقد أتى
باباً عظيماً من أبواب الظلم والتعسف ، وأكل الأموال بالباطل وسوء التصرف ،
قال الواحد المتصرف : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ
تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } ، كانوا في الجاهلية الجهلاء ، والأثرة العمياء ، يرثون نساء أقربائهم ، فإن
شاءوا تزوجوهن بلا صداق ، أو زوجوها وأخذوا صداقها ، أو منعوها من الزواج
ليأخذوا بعض مهرها ، فحرم الله ذلك تحريماً ، ونهى عنه نهياً ، فذلكم حكم
الله يحكم بينكم والله عليم حكيم ،
قال صلى الله عليه وسلم : " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " [ أخرجه البخاري ] ، ألا فاعلموا أن ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام ، فيجب إعطاء المرأة مهرها
كاملاً ، ولها فيه حرية التصرف بضوابطه الشرعية ، وحقوقه المرعية ، فإن
وهبت أحداً منه شيئاً عن طيب نفس منها فلها ذلك ،
لقوله تعالى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } ، فأعطوا النساء مهورهن , عطية واجبة ، وفريضة من الله لازمة ، فإن طابت
أنفسهن لكم عن شيء من المهر ، فخذوه وتصرَّفوا فيه , فهو حلال طيب ، ولا
تأخذوه بالقوة والعنجهية ، أو التحايل والهمجية ، فذلك معصية لله ولرسوله
صلى الله عليه وسلم ، وتعد لحدود الله ،
قال الله
تعالى : { وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ، فسبحان
الله أيها الآباء والأولياء ، كيف تأخذون المهور ، وتستحكمون عليها ،
وتستأثرون بها ، ثم ربما أنفقتموها في مصالح جميع الأبناء ، وصاحبة الشأن
والمال ربما لم تدرك منه شيئاً ، فهذا سحت حرام ، فاتقوا الله أيها
الأولياء الكرام ، أحسنوا إلى النساء وأكرموهن ، وأعطوهن مهورهن ، وأوفوهن
حقوقهن ، فهذا هو أمر رب العالمين ، وأمر نبي الثقلين .
أيها
الأخوة الفضلاء : إن منع الآباء الخاطبَ الكفء الحذق ، ذا الدين والخلُق ،
مخالفٌ لأمرِ الشّريعة ، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إذا جاءكم
مَن ترضون دينَه وخلقه فزوِّجوه ، إلاّ تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفساد
عريض " [ أخرجه الترمذي ] ، ألا وإن من الخيانة ، وتضييع الأمانة ، أن يزوج
الولي ابنته لرجل فاسق عاص لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، كمن لا يصلي ،
أو سيء الخلق والمعاني ، أو يتعاطى الخمور والمسكرات ، والدخان والمفترات ،
أو غير ذلك من المعاصي والموبقات ، ولو كان يملك الملايين من الريالات ،
والقصور والبيوتات ، فذلك ظلم للفتاة ، وغش تأباه ،
قال
صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو
غاش لرعيته ، إلا حرم الله عليه الجنة " [ متفق عليه ] ، لقد
اغتالوا البنت حية ، لم يدفنونها في قبرها كالجاهلية ، بل هالوا عليها تراب
الجحيم ، في سجن زوج لا تطيقه ولا تريده ، من أجل حفنة قذرة من المال ،
فسبحان الله العظيم ،
ألم يسمعوا قول النبي الكريم
صلى الله عليه وسلم : " لا تُنْكَحُ الثَّـيِّبُ حتَّـى تُسْتَأْمَرَ ، ولا
تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّـى تُسْتَأْذَنَ " [ أخرجه مسلـم ] ، ألا
فاعلموا أن زواجاً يكثر مهره ، ويعظم همه ، ويزداد غمه ، وتكثر تكاليفه ،
معقد أوله ، ومؤلم آخره ، والواقع خير شاهد ، وعند جهينة الخبر اليقين .
أيها
المسلمون : نحن في زمن قلت فيه فرص الوظيفة ، وتدنى فيه مستوى المعيشة ،
وزاد فيه منسوب البطالة ، أجارات مرتفعة ، ومعيشة غالية ، ومهور عالية ،
وأنى للشباب الإتيان بكل تلكم التكاليف ، فهنا يجب أن نقف جميعاً وقفة
صادقة مع أنفسنا ، من تسهيل للمهور ، وتيسير للزواج ، صيانة لأعراض الفتيات
والأزواج ، ولا يمكن أن يحصل ذلك ، إلا بتطبيق الرجال قول الله تعالى : "
الرجال قوامون على النساء " ، والانصياع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "
لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " [ أخرجه البخاري ] ، فالقوامة بيد الرجل ،
والحل والربط بيد الرجل ، أما المرأة فهي تابعة لزوجها ، لا تخرج عن رأيه
ومشورته قيد أنملة ، فلا يُترك لها زمام التصرف ، وخطام التفاوض ، فهذا غير
مشروع ، لاسيما في وقتنا هذا ، الذي طغت فيه الفضائيات ، وتقليد الأفلام
والمسلسلات ، حتى تغالت في المهور الأمهات ، وأرهق كاهل الشباب بطلبات ،
تنوء بحملها الجبال الراسيات ،
قال عليه الصلاة
والسلام : " خير الصداق أيسره " [ أخرجه الحاكم ] ، وقال صلى الله عليه
وسلم : " إن من يُمن المرأة ، تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها ، وتيسير رحمها
" [ أخرجه الإمام أحمد بسند جيد ] ، وقال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " ألا لا تُغلوا في صُدُق النساء ، فإنه لو
كان مكرمة في الدنيا ، أو تقوى عند الله عز وجل ، كان أولاكم به النبي صلى
الله عليه وسلم " [ أخرجه الخمسة وغيرهم وهو أثر صحيح ] ، خمسون
ألفاً مهراً ، وآلاف للأم طوعاً أو كرهاً ، فذلكم المهر كثير ، وعلى الشباب
كبير ، وما يتبعه من هداياً وتبذير ، لهي أمور تنبئ عن شر خطير ، وهول
مستطير ، فلا غرو أن يكون اليوم نكاح وغداً فراق ، ولا عجب أن يكون زواج
يعقبه طلاق ، ولا غرابة أن يُكن الزوج لزوجته العداء ، فاتقوا الله أيها
الآباء والأمهات ، ساهموا في بناء اللبنات ، سهلوا المهور ، يسروا الزواج ،
كونوا قدوة صالحة ، ونواة طيبة ، فأين نحن عن أبي طلحة عندما تزوج أم سليم
مقابل إسلامه ، ورجل تزوج بامرأة بما معه من القرآن ، يعلمها ويكون ذلك
مهرها ، وتزوج صحابي بخاتم من حديد ، وآخر بوزن نواة من ذهب ، أين نحن عن
تلكم الأمثال الرائعة ، والصفحات الناصعة ، لقد ضربوا لنا أروع المثل في
شأن المهر وتسهيله ، والصداق وتيسيره ، فأفيقوا من غفلتكم ، واستيقظوا من
رقدتكم ، يرحمكم ربكم ، ويغفر لكم ذنوبكم .
أخوة
الإيمان : لقد عاينا عادات ، وباينا منكرات ، ما أنزل الله بها من آيات
بينات ، فأين أنتم عن كتاب رب البريات ، وهدي نبي الهدى والرحمات ، لقد
قُصمت الظهور ، وتعسرت الأمور ، بسبب كثير من التغيير والتغبير ، فليلة
الحنا ، وليلة ثانية بعد الزواج ، وكوشة وإزعاج ، ومخالفات واتباع مزاج ،
وأخطر من ذلك وأعظم ، وأشد منه وأطم ، ما يحدث في قاعات النساء من ألبسة
خليعة ، وحركات مريعة ، تجلب الفجيعة والوجيعة ، وإننا لنخشى عقوبة الخالق
جل جلاله ، حلويات وتمور ، يتمعر لها وجه الغيور ، نعم وخيرات ، تُرمى في
سلات المهملات ، أموال تهدر ، ونقود تبعثر ، فلابد لهذا الدين ، من تطبيق
وتمكين ، فأنشدكم الله أيها الأخوة في الله ، إلا وقفتم وقفة حازمة ، مع
الله صادقة ، تأمرون بمعروف ، وتنهون عن منكر ، فما يحدث في أعراسنا ، وما
يحصل في أفراحنا ، لنخشى عقوبته ، ونخاف تبعته ، نخشى أن تبدل النعم نقم ،
وينتقم منا الجبار المنتقم ،
قال المتفضل المنعم : {
وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً
يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ
اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ
يَصْنَعُونَ } فالاكتفاءُ بوليمة واحدةٍ ليلةَ الزفاف ، أحبّ
للزّوجين وأسلم ، وأوفق لهدي الدين وأقوم ، إننا نرى تفاخراً بالأموال ،
وتكاثراً بالأعمال ، إسراف وتبذير ، ووعيد من الجبار الكبير ،
قال
العلي القدير : { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ
يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } ، وقال سبحانه : { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى
اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } .
عباد
الله : لقد أصبحت ليالي الملكة والتأليف ، ليال باهضة التكاليف ، وكأننا
في يوم زواج وإعلان ، لا يوم ملكة وعقد قران ، تذبح فيها كثير من النعم
والبهائم ، حتى أضحى الشر عائم ، فيكفي في مثل تلكم الليالي ، دعوة أهل
العروسين للفرح والتسالي ، ومن كان لديه فضل مال ، فلا يسرف فيه وينهال ،
قال
رب العزة والجلال والقوة والكمال : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ
وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ
الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِرَبِّهِ كَفُوراً } ، وتذكروا يا رعاكم الله ، تذكروا الفقراء والمساكين ، والأيتام المنكسرين ، والأرامل والمعوزين ،
فقد قال القوي المتين : { وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } ، فاتقوا الله رحمكم الله ، فقد سمعتم النقول ، فحكموا العقول ، واقبلوا
بالمعقول ، أقول ما سمعتم وأسأل الله التوفيق والتأييد ، والجنة يوم المزيد
، وأعوذ به من كل شيطان مريد ، وأستغفر الله الحكيم الحميد ، فاستغفروه
إنه هو الرحيم الرشيد .
الحمد
لله وكفى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم السر وأخفى ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، أكرم من وطأت قدماه الثرى ، صلى
الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أهل التقى ، وسلم تسليماً كثيراً . .
وبعد :
أيها الأخوة في الله : إنّ نزغَاتِ الشياطين ، وغفلات الآدميين ،
لا يسلم منها أحد ، فربما زلّت القدم ، ونزل الندم ، إذ كلُّ بني آدم
خطَّاء ، وخيرُ الخطّائين التوّابون ، فالوقوع في الزلل خطأ ظاهر ، والعود
عنه نصر باهر ، ألا فاعلموا أنّ التوبةَ من الخطأ والزّلل الملام ،
والرجوعَ عنه بشجاعةٍ وإقدام ، لهو المحمدةُ الحقّة ، والشجاعة المتمكِّنَة
، والنجاةُ من المغبَّة ، فإذا أيقنتم بذلك ، فهناك أخطاء ومغالطات ،
ومصائب مدلهمات ، وسراديب مظلمات ، رتع فيها أناس ، أضاعوا الإحساس ، شعروا
أم لم يشعروا ، فوقع الظلم والعدوان ، والجور والاستهجان ، على المرأة من
بني الإنسان ، فأمر الله في كتابه ، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته ،
والقول الأكيد ، الذي ليس عنه محيد ، أن للمرأة حق في الميراث ، فليس
الميراث للرجل وحده ، ومن ظن ذلك أو اعتقده ، فقد فسد دينه ، وطار عقله ،
وذهب لبه ، لأن
الله جل وعلا يقول في كتابه : { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } ، فالمرأة لها نصف ميراث الرجل ، لأن الرجل هو المسؤول عن الإنفاق ، وهو
المكلف بجلب المهر باتفاق ، أما المرأة فلا نفقة عليها ، ولا مهر عليها ،
لذا كان نصيبها من الميراث النصف ، وللرجل الضعف ، هذه حكمة العظيم البالغة
، فيحرم هضم ميراث المرأة ، أو كتابة الوصية للذكور دون الإناث ، أو توزيع
التركة بما يخالف الكتاب العزيز ، واعلموا أنه لا وصية لوارث ، كما صح
الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن طغى وعصى ، وتعدى وبغى ، وظلم
وهضم ، فإن كان على قيد الحياة ، فليسرع بتنفيذ أمر الله في العدل ، في
العطاء والبذل ، ومن مات ، وأصبح عظاماً ورفات ، فعلى ورثته أن يتقوا الله
في ميتهم ، ولا يعرضوه لسخط ربهم ، وعقوبة خالقهم ، فللذكر مثل حظ الأنثيين
، وليعيدوا الأمور إلى نصابها ، والحقوق إلى أهلها ، ولا تغرنهم زهرة
الحياة الدنيا وزينتها ،
فالله جل وعلا يقول : { مَن
كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ
الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا
صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، فالظلم
في الإرث ، من أعظم الاعتراض على كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم ، ألا ما أحوجَنا إلى الثقةِ بأمر الله ، والاعتدال في الرأي ،
وتنسيقِ المواقف والإنصاف ، فلا يبقى في النّهايةِ إلا الحقّ ، ولا يصحّ
إلا الصّحيح ، فاسعوا إلى الهدى والنور ، وانبذوا شعار الخور والفجور ، ولا
تنتظروا أن يقودكم غيركم ، أو يُتصرف في شؤونكم ، فبادروا على بركة الله ،
بتنفيذ أوامر الله ، وفق كتاب الله ، ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
في الزواج والمهور والصداق ، والعدل في الإرث وعدم الاختلاق ، خذوا على
أيدي السفهاء ، واكبحوا جماح النساء ، احذروا الإسراف ، ومراتع الإسفاف ،
انتهوا عن التبذير ، ودعوا التقتير ، احذروا التصرف الأهوج ، والرأي الأعوج
، اهجروا ما يعرض عبر الشاشات ، وتقليد الكافرات ، اربئوا بأنفسكم عن
النقيصة ، ومواطن الفضيحة ، فتلكم الخسارة الفادحة ، والرعونة الواضحة ،
فهلا من رجل رشيد ، ذو رأي سديد ، يجمع الشتات ويقرب البعيد ، فالله الله ،
أوصيكم بتقوى الله ، والخوف منه سبحانه ، فتقواه قائد إلى الجنان ، وخشيته
دليل الإحسان ، فتوبوا إلى الله الواحد الديان ، ثم صلوا وسلموا على خير
الأنام ، محمد عليه الصلاة والسلام ، فقد أمركم بذلك الملك العلام ،
فقال
في أعظم كلام : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً } ، اللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ، وعلى آله
وأزواجه الأماجد ، وأصحابه والتابعين ومن تبعهم من الأقارب والأباعد ،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ،
واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في
الأوطان والدور ، وأصلح الأئمة وولاة الأمور ، يا عزيز يا غفور ، اللهم
احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا ، وعن أيماننا وعن شمائلنا ، ومن فوقنا ،
ونعوذ بك أن نغتال من تحتنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعتق رقابنا
من النار ، يا عزيز يا غفار ، اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا ، واغفر لهم
الذنوب والخطايا ، واحفظهم من الأدواء والبلايا ، اللهم ارحمهم كما ربونا
صغاراً ، وزدهم كرامة ووقاراً ، وغفراناً مدراراً ، اللهم ارزقنا برهم
وطاعتهم ، واغفر لهم بعفوك وتقبل طاعتهم ، يا سميع الدعاء ، يا ذا المن
والعطاء ، اللهم وفقنا لما تحب وترضى ، ووفقنا لليسرى ، وجنبنا العسرى ،
واغفر لنا في الدنيا والأخرى ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى ، والعفاف
والغنى ، ومن العمل والقول ما تحب وترضى ، اللهم ألف بين قلوبنا ، واجعلنا
أخوة متحابين ، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين ، اللهم وفق ولي أمرنا
لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ،
وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا
وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، لا إله إلا الله المنان ، علا ذكره في كل
زمان ومكان ، سبحان الله الواحد الديان ، سبحان من سبح له من في السهول
والوديان ، سبحانه عدد السكون والجريان ، فاذكروه يذكركم ، واشكروه يزدكم ،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب
العالمين .