يعاني صداعاً، وتشوشاً في الرؤية. استشار الطبيب المختص في العيون الذي فحصه ملياً، فلم يجد في عيني مريضه ما يبرر شكواه. طلب منه أن يذهب إلى الطبيب المختص في الأمراض العصبية، وبعد أن فحصه الأخير سريرياً طلب منه أن يدخل إلى المستشفى من أجل قياس الضغط داخل القحف. وبالفعل، تم عمل الفحص وجاءت النتيجة لتكشف زيادة في الضغط داخل الجمجمة هي التي تبرر معاناته من الصداع والتشوش في النظر.
وارتفاع الضغط داخل القحف يمكن أن يحصل في أي عمر، ولكنه أكثر حدوثاً بعد منتصف العمر، ويشاهد لدى النساء أكثر من الرجال.
ويحدث ارتفاع الضغط داخل القحف كنتيجة حتمية للعديد من الأمراض العصبية، والإصابات، وبعض العلل الجهازية، وتكمن خطورته في أنه يمكن أن يؤثر مباشرة في تدفق الدم إلى داخل الرأس، وبالتالي على التروية الدماغية التي تحمل معها الغذاء والأوكسيجين.
ولا غرابة في هذا إذا عرفنا بأن القحف هو عبارة عن حيز مغلق غير قابل للتمدد، من هنا فإن أي ارتفاع في الضغط داخل هذا الحيز يمكن أن ينعكس سلباً على محتوياته، أي على المخ، الأمر الذي ينجم عنه حدوث اضطرابات في الجملة العصبية المركزية.
في الحالات الطبيعية يراوح الضغط داخل الرأس من صفر إلى 15 ميلليمتراً زئبقياً، وهو يزيد أو يقل استجابة لتغيرات عدة منها ضغط الدم، والسعال، والتنفس. وزيادة الضغط داخل الجمجمة فوق حد 15 ميلليمتراً زئبقياً يمكن أن يشكل تهديداً جدياً للحياة، والجسم يحاول التغلب على هذه المشكلة ببعض المناورات الفيزيولوجية، وإذا لم يفلح عندها يشكو المصاب من العوارض والعلامات الآتية:
• صداع في المنطقة الخلفية للرأس، يسوء صباحاً، لكنه يخف خلال النهار، وهو يزيد عند الانحناء إلى الأمام أو بالسعال أو بالكبس عند الخروج، ويترافق الصداع عادة مع الغثيان والتقيؤ، ويهدأ نوعاً ما بتناول المسكنات.
• قد يكون الغثيان والتقيؤ السبب الأبرز لارتفاع الضغط داخل القحف، وفي بعض الأحيان قد يحدث التقيؤ من دون إنذار ولا يسبقه الغثيان.
• التشوش في الرؤية الذي يكون عادة على شكل نوبات عابرة من الرؤية الضبابية، وفي بعض الأحيان ازدواج في الرؤية.
• أحياناً قد يظهر الطنين في الأذنين.
• تبدلات في حرارة الجسم.
• اضطرابات في نظم القلب مثل بطء النبض.
• اضطرابات في الوعي والإحساس.
• ارتفاع الضغط الشرياني الانقباضي، واضطرابات في نظم التنفس في حال ارتفاع الضغط الشديد داخل القحف.
هذه هي المظاهر السريرية التي تشاهد عند الكبار، أما عند الأطفال تحت 18 شهراً، فالمظاهر تكون كالآتي: انتفاخ في اليافوخ الأمامي، وتباعد في دروز عظام الجمجمة، وترقق جلدة الرأس وشفافيتها، وميل الطفل إلى النوم، والنزق، ونقص الرخاوة العضلية، والاختلاجات، وظهور علامة غروب الشمس في العينين، أي أن البؤبؤ يكون في أسفل العين ولا يظهر كاملاً.
أما عند الأطفال فوق 18 شهراً، فيعانون من الصداع خصوصاً في الليل، والتقيؤ في الصباح، وتشوش الروية، وتغيرات سلوكية، واضطرابات في النوم، وتبدل الوعي، والاختلاجات، وتصلب النقرة، وتورم حليمة العصب البصري عند فحص العين.
ما هي أسباب ارتفاع الضغط داخل القحف؟
هناك جملة من الأسباب من أهمها:
• الإصابات الرضية للرأس.
• النزف الدموي داخل الجمجمة.
• التهابات الدماغ الميكروبية (التهاب السحايا).
• الوذمة الدماغية والجلطات الوعائية المخية.
• الأورام الدماغية، وهي تشكل 3 في المئة من أورام الجسم، وتطاول عادة الشريحة العمرية من 50 إلى 70 سنة.
• انسداد القنوات التي يسير فيها السائل الدماغي الشوكي.
• ارتفاع درجة الحرارة في الجسم.
• تناول بعض الأدوية مثل الستيروئيدات.
• فرط الوزن.
كيف يعالج ارتفاع الضغط داخل الجمجمة؟
من المهم جداً الرصد المبكر لارتفاع الضغط داخل الجمجمة من أجل الإسراع في اتخاذ التدابير التي تسمح بالشفاء منه ومنع حدوث الاختلاطات. ومن أبرز التدابير:
• خفض الضغط المرتفع داخل القحف، ويتم ذلك بنوم المصاب في وضعية نصف الاضطجاع بحيث يكون مستوى الرأس أعلى من مستوى الجسم من أجل تسهيل انسياب السائل الدماغي الشوكي إلى القناة الشوكية والأوردة. أيضاً يجب منع حدوث أي ارتفاع في الضغط داخل البطن.
• الحفاظ على الكمية المناسبة من السائل الدماغي الشوكي.
• ضبط السوائل والأملاح المعدنية في الجسم.
• الوقاية من العدوى.
• إعطاء مدرات البول.
ختاماً، وعلى عكس ارتفاع الضــغط داخــل الجمجمة، هناك أيضاً انخفاض الضغط داخل الجمجمة، وهــو مرض أقل شيوعاً من الأول، ويمكنه أن يؤثـــر في عمل الجملة العصبية، إلا أنه أقل خطورة من زميله.