مشكلة تكيس المبايض هي واحدة من أكثر المشكلات التي تعاني منها السيدات في العالم، والتي تسبب الكثير من المشكلات الصحية، بدءً من الدورة الشهرية، مروراً بالاضطرابات الهرمونية، وصولاً للعقم.
فما هي حقيقة هذه التكيسات.؟ وما مدى تأثيرها الحقيقي على صحة المرأة؟ وهل تسبب العقم؟ وكيف يمنك علاجها؟
كل هذه الأسئلة وأكثر، طرحها موقع صحة أون لاين على الدكتور صالح العسيري، رئيس وحدة أطفال الأنابيب وتقنيات الإنجاب بمستشفى الملك خالد الجامعي، واستشاري وأستاذ مساعد في أمراض وجراحات العقم والمساعدة على الإنجاب.
1- بداية دكتور، تعاني أعداد كبيرة من النساء من مشكلة تكيس المبايض، هل يمكن أن تطلعنا بشكل محدد عن تعريف هذه المشكلة، ومدى انتشارها بالفعل بين النساء؟
- هناك التباس كبير جداً بين أوساط المريضات حول هذا الموضوع. فيجب أولاً التمييز ما بين:
1) تكيس المبايض (كما يظهر في الأشعة الصوتية للمبيض) وبين
2) متلازمة تكيس المبايض وهو ما يعرف طبياً باختصار PCOS
فما يظهر على الأشعة مجرد حالة تشريحية خاصة للمبيض، وليس بالضرورة إصابة المريضة بالمتلازمة، حيث أن تكيس المبايض كما يتضح من الأشعة يوجد في نسبة قد تبلغ 25% من المريضات اللاتي لا يعانين من أية أعراض أو مشاكل تذكر، ووجوده لا يشكل أي خطر على الصحة، بينما اللواتي يعانين من متلازمة تكيس المبايض يوجد لدى النسبة العظمى منهن إما اضطراب في توقيت الدورة الشهرية للفتاة، أو عند السيدات قد تتأخر عن موعدها أو تتقدم أو لا تتبع نظاماً زمنياً محدداً، وبعضهن يعانين من زيادة في حب الشباب، أو نمو الشعر في أجزاء من الجسم كمنطقة الذقن، أو فوق الشفة العليا، أو منطقة الصدر، أو البطن، أو الظهر، أو الفخذين، أو الذراعين، كما تعاني البعض منهن من تساقط الشعر، وخصوصاً في منطقة الرأس، أو ظهور بقع، أو خطوط غامقة في الجلد، أو زيادة في الوزن، وبعضهن يزيد وزنها رغم أنها لا تلاحظ زيادة في الشهية أو الرغبة في الأكل.
وتعتبر متلازمة تكيس المبايض من أكثر المشاكل الطبية المتعلقة بالغدد التكاثرية شيوعاً، فقد تتفاوت نسبة انتشاره في الفتيات والسيدات ما بين 10-20%.
2- قد تعاني بعض النساء من مشكلة الآراء الطبية المتنوعة، فما هي وسائل التشخيص المناسبة لتكيس المبايض، وما مدى دقتها؟
- كما ذكرت في الإجابة الأولى، هناك التباس وعدم وضوح كبير عندما يصل الموضوع إلى تشخيص هذه الحالة، فالكثير من المريضات اللواتي تُعرض علينا حالاتهن يكون عندهن تكيس مبايض فقط كما توضع الأشعة الصوتية، ولكن لديها قناعة قوية إن ذلك يعني بالضرورة إصابتها بمتلازمة تكيس المبايض، وهذا خطأ كبير.
فوسائل التشخيص تبدأ بأخذ تاريخ مرضي مفصل عن الحالة، يعقبه فحص إكلينيكي، ويلي ذلك عمل أشعة صوتية للمبايض والرحم، ويفضل في ذلك الأشعة المهبلية لأنها تكون قريبة من المبايض، مع دقة ووضوح الصور الناتجة عنها على عكس الأشعة التي تؤخذ عن طريق البطن. ومن المهم أيضاً عمل تحليل دم لهرمونات محددة في الجسم، والتي تساعد في الوصول للتشخيص الدقيق والسليم للحالة.
وتعتبر الأشعة الصوتية وتحاليل الدم الهرمونية وسائل تشخيص دقيقة يعتمد عليها في الوصول لتشخيص الحالة بدقة ومتابعة المريضة واستجابتها للعلاج في المستقبل.
3-ما هي أفضل طرق علاج تكيس المبايض؟ وما هي نسب الشفاء؟
- أفضل طرق العلاج لتكيس المبايض تعتمد على طبيعة الحالة، وهنا يأتي دور الطبيب الحاذق والمتخصص، فكل حالة لها اعتبارات خاصة تختلف باختلاف المريضة وعمرها وتاريخها المرضي وما إذا كانت تفكر في الإنجاب أو لا.
فأول إستراتيجية علاجية إذا كان وزن المريضة زائداً أن تبدأ في تخفيض وزنها، وهذه نقطة هامة جداً للعلاج، فإنقاص الوزن ولو بنسبة 10% من الوزن الأصلي تساعد كثيراً في العلاج والاستجابة لطرق العلاج بالأدوية والجراحة إذا لزم الوضع. لذلك أنصح الفتيات والسيدات المصابات بمتلازمة تكيس المبايض واللواتي يعانين من زيادة الوزن بممارسة الرياضة بشكل منتظم وخصوصاً المشي السريع أو الجري، وكذلك الالتزام بنظام غذائي صحي يراعى فيه التوازن الغذائي، والاهتمام بأخذ قسط كافي من الفواكه والخضروات الطازجة يومياً والتقليل من النشويات والكربوهيدرات والدهون المشبعة.
وهناك أيضاً دور علاجي لحبوب منع الحمل والتي تحتوي على نسبة متفاوتة من هرموني الأستروجين والبروجسترون، وهنا لا نستخدمها لمنع الحمل كما يتضح من المسمى وإنما لتنظيم الدورة لتصبح دورة شهرية منتظمة للنساء اللواتي لا يفكرون في الإنجاب وإنما لتنظيم الدورة وتقليل الأعراض المصاحبة للمتلازمة كتساقط الشعر، أو زيادة نموه، أو ظهور حب الشباب، وهنالك أنواع عديدة في هذه الحبوب، وقد تستفيد المريضة من نوع ما و لا تشعر بتحسن على نوع آخر من الحبوب، لذلك يجب تغيير النوع من الحبوب بعد تجربته لمدة 3-6 أشهر إذا لم يظهر تحسن، أو بدأت على المريضة أعراض جانبية جديدة جراء استخدام ذلك النوع من الحبوب، مع وجوب متابعة المريضة بشكل دوري تقريبا كل 3 أشهر للتأكد من تحسن حالتها، أو عدم ظهور أمور جديدة لم تكن موجودة في الزيارة السابقة.
كما يتضمن أيضاً أخذ عينه من بطانه الرحم لاكتشاف أي نمو غير طبيعي أو تغيّرات غير حميده أو سرطانية لا سمح الله، ومعالجتها في وقت مبكر.
أما اذا كانت المريضة بالمتلازمة تود الحمل، فيظل الحل الأول هو ما أشرت إليه مقدماً وهو إنقاص الوزن كحل أولي هام جداً إذا كانت تعاني من زيادة الوزن. بالإضافة إلى ذلك يمكن زيادة فرص الحمل باستخدام علاج الكلوميد وهو علاج فعال "إذا استخدمه الطبيب بطريقة علمية صحيحة" وهذا علاج هرموني آمن ويعمل على الغدة النخامية بطريقة تجعل الجسم يزيد من افراز الهرمونات الخاصة بتنشيط المبيض، فيزيد من فرص انتظام التبويض وزيادة عدد البويضات، مما يزيد من فرص الحمل بإذن الله، ومنها الحمل بتؤام بنسبه تتفاوت بين 5-8%، ولكن كما ذكرت الكلوميد علاج فعال إذا تم استخدامه بطريقة صحيحة مع متابعة حالة المريضة بدقة وانتظام.
ومما لاحظته أن الكثير من المريضات يضعهن الأطباء المعالجين على دواء القلوكوفاج ولكن دون جدوى، ومن الثابت علمياً أن دور هذا العلاج في زيادة فرص الحمل لدى السيدات المصابات بمتلازمة تكيس المبايض ضئيل وغير هام إذا ما قارناه بالكلوميد "طبعاً إذا استخدم بطريقة صحيحة" لأن علاج القلوكوفاج لا يعمل بشكل مباشر على تصحيح وتحسين التبويض كما هي الحالة مع الكلوميد، كما أن لديه أعراض جانبية مزعجة جداً للمريضة تتضمن الغثيان أو التقيؤ وزيادة الغازات في البطن، والاحساس بالإرهاق والتعب، وعسر هضم واضطرابات هضمية، والاحساس بطعم غير مستساغ في الفم، وهذه الأعراض تزيد كلما زادت جرعة الدواء.
وباختصار في حالات تأخر الحمل لدى المريضات المصابات بمتلازمه تكيس المبايض فأنا لا أنصح باستخدام علاج القلوكوفاج إلا في حالات ضيقة ومحدودة جداً، وعندما يكون هناك سبب قوي لاستخدامه، وأفضل استخدام الكلوميد مع المتابعة الدقيقة للاستجابة، وتعديل الجرعه إذا لزم الأمر.
4- السيدة التي لديها تكيس مبايض وتعالجت منه، هل هناك احتمال بعودة التكيسات مجدداً لها بعد العلاج؟ وما نسبة ذلك؟
- بالنسبة لما يظهر على الأشعة الصوتية من تكيس للمبايض فقد يزول تدريجياً أو يقل نوعا ما عند بعض النساء ولا ينطبق الأمر بالضرورة على كل المريضات.
أما بالنسبة لمتلازمة تكيس المبايض فليس هناك علاج يقضي على الحالة تماماً، ولكن إذا التزمت الفتاة أو السيدة بتعليمات الطبيب المعالج فهناك نسبة عالية جداً من المريضات تعيش حياة عادية جداً وبدون أي مضاعفات أو مشاكل صحية تذكر، أي كأي فتاة أو سيدة غير مصابة. وهنا يأتي دور المريضة المتعلمة والمثقفة صحياً، فتكون عنصر هام جداً في نجاح أية خطة علاجية ينصح بها الطبيب المعالج.
5- ما علاقة تكيس المبايض بزيادة الوزن؟ وهل تحل مشكلة البدانة بعد علاج التكيسات؟
- نعم هناك علاقة قوية جداً ما بين زيادة الوزن ومتلازمة تكيس المبايض، فنسبة كبيرة "ولكن ليس الكل" من المصابات بالمتلازمة قد تكون بدينة، وبعضهن يعانين من السمنة المفرطة، وهذا ما يجعل موضوع متلازمة تكيس المبايض مشكلة صحية أكبر من مجرد عدم انتظام في الدورة، أو ظهور علامات مرضية محددة، لأن السمنة لها أضرار صحية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، ويجب الاهتمام بهذا الجانب من حالة المتلازمة.
وكما ذكرت في سؤال سابق فإن انقاص الوزن ولو بنسبة 10% من وزن الجسم يحسّن كثيراً من نسبة الهرمونات في الجسم، ويخفف من أعراض المتلازمة، كظهور حب الشباب، أو زيادة أو تساقط الشعر، وعدم انتظام الدورة الشهرية، وكذلك يحسّن من فرص حدوث الحمل إما بشكل طبيعي أو بمساعدة منشطات التبويض كالكلوميد أو الليترازول "وهو علاج آخر شبيه بالكلوميد" أو المنشطات الهرمونية عن طريق الأبر.
كما أن بعض الحالات تستجيب لجراحه التثقيب للمبايض عن طريق إجراء عملية جراحية بالمنظار البطني، حيث يتم تثقيب الغلاف الخارجي للمبيض بعدد 10-12 ثقباً سطحياً على كل مبيض وذلك لتقليل نسبة الخلايا والأنسجة المفرزه للهرمونات الذكرية التي تلعب دوراً كبيراً في عدم التبويض، ومنع الحمل أو تأخيره كنتيجه لذلك.
6- ما مدى علاقة تكيس المبايض بالحمل؟ وما مدى تأثيره على احتمالية الحمل؟
- من أكثر أسباب تأخر الحمل شيوعاً لدى النساء هو عدم انتظام الدورة، ويرجع السبب الرئيسي منها إلى متلازمة تكيس المبايض. فعدم انتظام الدورة يدل على خلل هرموني ذو علاقة بالمبايض، مما يؤدي إلى عدم التبويض نهائياً، أو حصول تبويض ولكن ليس بشكل منتظم وسليم، مما يؤدي في الحالتين إلى تأخر الحمل، أو عدم حدوث حمل تماماً، ومن هنا يجب على المريضة عرض حالتها على طبيب متخصص في هذه الحالة أولاً للوصول إلى التشخيص السليم والدقيق للحالة، ومن ثم وضع برنامج علاجي يساعدها بإذن الله على الحمل.
7- هل يمكن للمرأة التي لديها تكيس مبايض أن تحمل بعد العلاج مباشرة أم تحتاج لوقت؟
- المدة الفاصلة ما بين البدء بالعلاج وحدوث حمل تتفاوت بشكل كبير، ويدخل في ذلك عوامل عدة من بينها عمر المريضة، ومدة عدم الحمل، ووجود أو عدم وجود خلل هرموني آخر كخمول الغدة الدرقية (وهذه حالة أخرى منتشره بين الفتيات والسيدات المصابات بالمتلازمة) أو زيادة هرمون الحليب، أو وزن المريضة، أو مدى الخلل الهرموني المصاحب للمتلازمة، وما إذا قد حملت في السابق أو لا. وأيضاً يجب على الطبيب المعالج استبعاد أسباب أخرى قد تؤخر الحمل غير متلازمة التكيس، مثل ضعف الحيوانات المنوية، أو قلة عددها، أو تركيزها، والتي قد يعاني منها زوج المريضة المصابة بالمتلازمة.
وبشكل عام فإن الفترة الفاصلة ما بين الاستجابة للعلاج وحدوث الحمل قد تأخذ بشكل عام بضعه أشهر.
8- هناك مشكلة مرتبطة بتكيس المبايض وهي الدورة الشهرية، ما مدى وجود هذه العلاقة، وكيف تؤثر التكيسات على الدورة؟
- من أكثر أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية شيوعاً لدى الفتيات والسيدات في سن الإنجاب هو متلازمة تكيس المبايض، فالعلاقة بينهما قوية جداً بشكل يستلزم من الطبيب المعالج استبعاد وجود هذه الحالة كسبب لعدم انتظام الدورة الشهرية وذلك لأن هرموني FSH و LH اللذين تفرزهما الغدة النخامية تكون نسبة وجودهما في الدم بشكل غير منتظم، وهما أهم هرمونيين يتحكمان في موضوع التبويض وانتظامه.
9- ما هي المشكلات الأخرى التي تواجهها السيدة التي لديها تكيس مبايض؟
- من المهم جداً الانتباه لحقيقة هامة حول متلازمة تكيس المبايض، وهي أنها حالة مرضية لا تتوقف فقط عند عدم انتظام الدورة أو ظهور أعراض جلدية وغيرها كما وضحت سابقاً، وإنما إذا لم يتم متابعة المريضة بشكل منتظم عن طريق طبيب متخصص في مثل هذه الحالة فإن هناك خطر الإصابة بمرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة نسبة الدهون الضارة في الجسم، وأمراض الشرايين، والجلطات، والإصابة بسرطان الرحم، أو انقطاع التنفس أثناء النوم، مما يجعل هذه الحالة حالة صحية هامة جداً تحتاج التعاون ما بين المريضة وطبيبها المعالج، فضلاً عن المتابعة الدقيقة والمنتظمة.