-
صفة نعيم القبر وعذابه :-
ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في
حديث البراء بن عازب أن الملائكة تسأل العبد المؤمن في قبره فيحسن الإجابة
وعند ذاك [ ينادي منادٍ في السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ،
وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له باباً إلى الجنة ، قال : فيأتيه من روحها
وطيبها ، ويفسح له في قبره مدّ بصره ، قال : ويأتيه ( وفي رواية: يمثل له )
رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، أبشر
برضوان من الله ، وجنات فيها نعيم مقيم ، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له
: أنا عملك الصالح ، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله، بطيئاً
في معصية الله ، فجزاك الله خيرا ً ، ثم يفتح له باب من الجنة ، وباب من
النار ، فيقال : هذا منزلك لو عصيت الله ، أبدلك الله به هذا ، فإذا رأى ما
في الجنة ، قال : رب عجل قيام الساعة ، كيما أرجع إلى أهلي ومالي ، (
فيقال له اسكن ) ] .
وذكر صلوات الله عليه وسلامه أن العبد
الكافر أو الفاجر بعد أن يسيء الإجابة [ ينادي منادي في السماء أن كذب ،
فافرشوا له من النار ، وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ،
ويضيق عليه في قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه ( وفي رواية : ويمثل له )
رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسوؤك ،
هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول:
(وأنت فبشرك الله بالشر ) ،
من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ، فيقول أنا عملك الخبيث ، فوالله
ما علمتك إلا كنت بطيئاً عن طاعة الله ، سريعاً إلى معصية الله ، فجزاك
الله شراً ، ثم يقيض الله له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة ، لو ضرب بها جبل
كان ترابا ً، فيضربه حتى يصير بها تراباً ، ثم يعيده كما كان ، فيضربه ضربة
أخرى ، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين ، ثم يُفتح له باب من النار ،
ويمهد من فرش النار ، فيقول : رب لا تُقِم الساعة ] .
وفي
حديث أنس أن العبد المؤمن إذا أجاب الإجابة الصادقة في قبره يقال له : انظر
إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة ، قال النبي صلى الله
عليه وسلم: فيراهما جميعاً ، قال قتادة : وذكر لنا أنه يفسح له في قبره ]
وذكر في حديث أنس أن الكافر والمنافق بعد أن يجيب في قبره تلك الإجابة
الكاذبة يقال له : [ لا دريت ولا تليت ، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين
أذنيه ، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين ] [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
ولمسلم
: [ إن العبد إذا وضع في قبره ، ثم ذكر نحواً مما تقدم إلى قوله : وذكر
لنا: أنه يفسح فيه سبعين ذراعاً، ويملأ عليه خضراً إلى يوم يبعثون ".
وفي
رواية لأبي داود أن العبد المؤمن بعد أن يسأل ويجيب ، "ينطلق به إلى بيت
كان له في النار ، فيقال له : هذا كان لك ولكن الله عصمك ، فأبدلك به بيتاً
في الجنة ، فيراه ، فيقول : دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي ، فيقال له : اسكن
].
وهذا الذي أشارت إليه الأحاديث من أنَّ كل إنسان يعرض
عليه مقعده بعد أن يسأل في قبره مستمر طيلة بقائه في القبر ، وقد صرّح بذلك
الرسول صلى الله عليه وسلم ، ففي الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما ، [ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أحدكم إذا مات عرض
عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من
أهل النار فمن أهل النار ، فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ]
.
وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه
وسلم أخبر أن الملكين يقولان للعبد المؤمن بعد أن يجيب الإجابة السديدة : [
قد كنا نعلم أنك تقول ذلك ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين ،
ثم ينور له فيه ، ثم يقال له : نم ، فيقول : أرجع إلى أهلي فأخبرهم ،
فيقولان : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ، حتى يبعثه
الله من مضجعه ذلك ] ، وأنهما يقولان للمنافق : [ قد كنا نعلم أنك تقول
ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه ، فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه ، فلا يزال
معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ] .
هل يعذب المسلمون في قبورهم ؟
قال
القرطبي : "قال أبو محمد عبد الحق : اعلم أن عذاب القبر ليس مختصاً
بالكافرين ، ولا موقوفاً على المنافقين ، بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين
، وكل على حاله من عمله ، وما استوجبه من خطيئته وزللـه"، والأدلة على أن
المؤمن قد يعذب في قبره بسبب ذنوبه كثيرة .
هول القبر وفظاعته :-
روى
هانئ مولى عثمان بن عفان ، قال : كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر
بكى ، حتى يبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتذكر القبر
فتبكي ؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
[
القبر أول منازل الآخرة ، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه
فما بعده أشد منه ] قال : وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ ما
رأيت منظراً قط إلاّ القبر أفظع منه ] أخرجه الترمذي ، ولما كان
ما
بعد القبر أيسر منه لمن نجا فإن العبد المؤمن إذا رأى في قبره ما أعد الله
له من نعيم يقول : "رب عجل قيام الساعة ، كيما أرجع إلى أهلي ومالي،
والعبد الكافر الفاجر إذا رأى ما أعدّ الله له من العذاب الشديد فإنه يقول
على الرغم مما هو فيه من عذاب : "رب لا تقم الساعة" لأن الآتي أشد وأفظع .
ظلمة القبر
ماتت
امرأة كانت تَقُمُّ المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ففقدها
الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبروه أنها ماتت من الليل ، ودفنوها ، وكرهوا
إيقاظه، فطلب من أصحابه أن يدلوه على قبرها ، فجاء إلى قبرها فصلى عليها،
ثم قال : [ إن هذه القبور مليئة ظلمة على أهلها ، وإن الله عزوجل منورها
لهم بصلاتي عليهم ] [ رواه البخاري ومسلم ]
ضمة القبر :-
عندما
يوضع الميت في القبر فإنه يضمه ضمة لا ينجو منها أحد كبيراً كان أو صغيراً
صالحاً أو طالحا ً، فقد جاء في الأحاديث أن القبر ضم سعد بن معاذ ، وهو
الذي تحرك لموته العرش ، وفتحت له أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفاً من
الملائكة، ففي سنن النسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : [ هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء
وشهده سبعون ألفاً من الملائكة ، لقد ضم ضمة ، ثم فرج عنه ] .
وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عمر أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
[
إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجياً منها نجا منها سعد بن معاذ] [ رواه أحمد
في مسنده ] وفي مسندي الطبراني الكبير والأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما،
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : [ لو نجا أحد من ضمة القبر، لنجا سعد
بن معاذ ، ولقد ضم ضمة، ثم روخي عنه ] ومما يدل على أن ضمة القبر لازمة لكل
إنسان أن الصبيان لا ينجون منها ، ففي مسند الطبراني الكبير عن أبي أيوب
الأنصاري بإسناد صحيح وهو في مسنده الأوسط، وفي الكامل لابن عدي عن أنس أن
الرسول صلى الله عليه وسلم قال : [ لو أفلت أحد من ضمة القبر لنجا هذا
الصبي ] .
فتنة القبر :-
كيف تكون فتنته :
إذا
وضع العبد في قبره جاءته ملائكة على صورة منكرة ، ففي سنن الترمذي [ إذا
قبر الميت - أو قال : أحدكم - أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما :
المنكر وللآخر : النكير ، فيقولان ، ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : ما
سكان يقول ، هو عبد الله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً
عبده ورسوله .. وإن كان منافقاً قال : سمعت الناس يقولون قولاً ، فقلت مثله
، لا أدري ] .
وجاء في الحديث الذي يرويه البراء بن عازب
عن الرسول صلى الله عليه وسلم : [ فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ،
ويجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ وهي آخر فتنة تعرض
على المؤمن ، فذلك حين يقول الله عزوجل : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول
الثابت في الحيوة الدنيا ) ، فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي
محمد صلى الله عليه وسلم ، فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ] وقال في
العبد الكافر أو الفاجر :[ ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ،
ويجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه ، هاه لا أدري ، فيقولان له :
ما دينك ؟ فيقول هاه ، هاه لا أدري ، فيقولان فما تقول في هذا الرجل الذي
بعث فيكم ؟ فلا يهتدي لاسمه ، فيقال : محمد ، فيقول: هاه هاه ، لا أدري ، (
سمعت الناس يقولون ذاك ، قال : فيقولان : لا دريت ) ( ولا تلوت ) فينادي
مناد أن كذب عبدي ) .
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : [ إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه ،
وإنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا : أتاه ملكان ، فيقعدانه ، فيقولان له :
ما كنت تقول في هذا الرجل ، محمد ؟ فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبدالله
ورسوله … وأما الكافر أو المنافق ، وفي رواية : أما الكافر والمنافق -
فيقول : لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس فيه ، يقال : لا دريت ، ولا
تليت.. ] [ رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ].
ولم
يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم في أول الأمر أن هذه الأمة تفتن في
قبورها ، ثم أوحى الله له بهذا العلم ، فقد حدّث عروة بن الزبير عن خالته
عائشة قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندي امرأة من
اليهود وهي تقول : هل شعرت أنكم تفتنون في القبور ؟ قالت : فارتاع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، قال : [ إنما تفتن اليهود ] ، قالت عائشة :
فلبثنا ليالي ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ هل شعرت أنه أوحي
إلى أنكم تفتنون في القبور ] قالت عائشة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم - بعد- يستعيذ من عذاب القبر.